من موقع الإسلام اليوم بتاريخ الاثنين 06 صفر 1435 الموافق 09 ديسمبر 2013.
المجيب :الشيخ عبد الإله بن سعد آل صالح رقم السؤال 129382
السؤال: والدي كثير السب واللعن والدعاء علينا بالهلاك، حتى في الأمور البسيطة، وحتى ولو لم نعمل أي خطأ وكل همه الدنيا، علماً أنه دارس للعلوم الشرعية، وسمعته طيبة، وقد اشتهر بكرمه ومساعدته للناس، لكن الناس لا يدرون ماذا يفعل في البيت، وماذا يفعل مع أبنائه، وهو مقصر في كل شيء، حتى في مصروفنا، فلو طلبنا فلوسًا لشراء بعض الملابس الضرورية مثلاً يرفض بشدة. وقد حاولت رغم ذلك أن أحبه لكنني لم أستطع، فلدي حقد في قلبي تجاهه، لأنه كان يضرب أمي أمامنا، وهو سبب إصابة أختي بمرض نفسي. فأرشدوني ماذا أفعل مع أبي؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أخي الكريم: أنت شاب في ريعان شبابك، وعلى استقامة وعلى درجة عالية من النضج والاتزان، وما توجهك بطلب هذه الاستشارة إلا دليل على ذلك، وإليك بعض النقاط التي أرى فيها سبيلا لمساعدتك لعلاج مشكلتك: لا يخفى عليك وعلى كل مؤمن يقرأ كتاب الله، ويتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويرجو اليوم الآخر، فضل بر الوالدين، والخير الذي يجنيه العبد في الدنيا والآخرة. قال تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" [الإسراء:23] بل هي من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا، "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" [البقرة:83] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل استأذنه في الجهاد: "أحي والدك؟ قال، نعم، قال، ففيهما فجاهد" رواه البخاري (3004). قال ابن عباس رضي اله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، لا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما. ولم يقف حق الوالدين عند هذا الحد، بل تبرهما وتحسن إليهما حتى ولو أمراك بالكفر بالله، وألزماك بالشرك بالله، قال تعالى:" وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [لقمان:14-15]. فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين الوالدين بالمعروف، مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله، فما الظن بالوالدين المسلمين سيما إن كانا صالحين، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه أصعب الأمور وأعظمها، فالموفق من هدي إليه، والمحروم من صرف عنه. وبر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببرهما تتنزل الرحمات وتكشف الكربات. ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام. فهذا حيوة بن شريح، وهوأحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلى كفر الله بها من خطاياه" أخرجه البخاري (5642)، ومسلم (2573). أخي الكريم: كل أذى تحملته جراء برك بوالدك، وصبرك على أذاه، هو منحة من الله لك لرفعة درجتك عنده سبحانه، وكل هم وحزن أصابك من خدمتك لوالديك، هو تكفير للذنوب بإذن الله تعالى. بكى الحارث العكلي في جنازة أمه، فقيل له: تبكي؟! فقال: ولم لا أبكي وقد أغلق عنب باب من أبواب الجنة. أوصيك أخي الكريم أن تحاول الجلوس مع والدك في وقت تراه مناسباً لمحادثته بلطف، ويمكن مناقشة الأمر معه بأسلوب حكيم هادئ ستجعله يفكر في الأمر مليا، وستكون سببا لإرجاعه للحق خاصة وأنه قريب من الله. وقم باستمالة قلبه بتقديم الهدايا والتبسم في وجهه ولو كان قلبك لا يستطيع ذلك، لكن مع استشعار الأجر والمصابرة سيمنحك الله لذة في قلبك، وحسناً في تعاملك مع والدك، وإصلاحاً في ذريتك بإذن الله. إن تأزم الأمر وشعرت بضرورة أن يكون هناك طرف ثالث للمساهمة في العلاج فلا مانع أن تخبر من له تأثير على والدك بسرية، ويكون أسلوبه غير مباشر، فلعل الله أن يفتح على قلبه ويغير من تعامله. أسأل الله لك التوفيق في الدنيا والآخرة.
http://www.islamtoday.net/istesharat/mobile/mobques-70-129382.htm
islamtoday.net/istesharat/quesshow-70-129382.htm
islamtoday.net/istesharat/schcv-655.htm
تحميل الملفالمقالات