1435-04-08

 

هذه المقالة منشورة بقلم د. وليد بن محمد آل صالح في رسالة الجامعة بتاريخ 8/5/2010.

نسمع كثيراً عن قصص نجاح مميزة في عالم الإنترنت، وتبدأ روايات هذه القصص دائما بمشهدٍ يبدو فيه أحد الشباب من مهووسي الحاسوب قابعاً في كراج سيارات أمام جهاز حاسوب بشاشة سوداء وتنتهي بظهور أحد تطبيقات أومواقع الإنترنت الذي تصل قيمته لمبلغٍ يكفي لدخول هذا الشاب في قائمة أثرياء العالم خلال مدة وجيزة.  يرتبط عادةً منظر ذلك الشاب في الكراج الذي يعمل به ببنطال «جينز» أزرق و«تي شيرت» بسيط. أستبعد أنك – عزيزي القارئ – تخيلت المشهد أعلاه مثلاً والشاب يرتدي ثوباً وشماغاً ويعمل في مجلس عربي!

بالتأكيد فإن هذه ليست دعوة مني لارتداء «الجينز» ولا للعمل في الكراجات من أجل صناعة أول قصص النجاح السعودية في عالم الإنترنت فالأمر ليس مرتبطا ببنطال «الجينز» ذاته وإنما في البيئة التي لُبِسَ فيها.

في بداية عام 2005م قام ثلاثة من الشبان محترفي الحاسوب بتصوير بعض مشاهد الفيديو في حفل عشاء خاص بهم. وجد هؤلاء الشبان بعض الصعوبات في إرسال بعض ملفات الفيديو الخاصة بهذا الحفل عن طريق البريد الإلكتروني، مما حفز هؤلاء الشبان لإيجاد وسيلة عملية وسهلة للتشارك في ملفات الفيديو على شبكة الإنترنت. تلكم هي بداية واحدٍ من أضخم وأنجح تطبيقات الإنترنت في وقتنا الحاضر والذي بلغت قيمته في عام 2006م 1.65 مليار دولار أمريكي وذلك عندما استحوذت عليه شركة جوجل (Google)،  لقد وصل الموقع لتلك القيمة بعد أقل من سنتين فقط من حفل العشاء طيب الذكر! هذه هي قصة تشاد هيرلي وَستيف تشين وَجواد كريم مؤسسي موقع يوتيوب (Youtube) الشهير، والأخير بالمناسبة بنغلاديشي ولد في ألمانيا وحصل على جنسيتها. السؤال المهم هنا هوما الذي حدث خلال الفترة من حفل العشاء إلى أن دفعت جوجل هذا المبلغ الضخم لشراء الموقع؟

دعونا نتأمل قصة يوتيوب بحثاً عن أسرار نجاحها. بمجرد مواجهة صعوبة في إرسال ملف الفيديو الخاص بتلك الحفلة، بادر هؤلاء الشبان بالعمل على تطوير موقع للتشارك في ملفات الفيديو وبعد أقل من شهر قاموا بشراء اسم النطاق الخاص بالموقع (www.youtube.com) وذلك خلال شهر فبراير من عام 2005م. وقد كان الموقع جاهزاً بعد أشهر قليلة وتم تحميل أول ملف فيديو فيه بتاريخ 23 إبريل من عام 2005م، كما تم إعلان الإطلاق الرسمي للموقع في شهر نوفمبر من العام نفسه. بعد ذلك بقليل حصل مؤسسو الموقع على دعم بمقدار 11.5 مليون دولار من خلال ما يسمى بدعم رأس المال المجازف وهو شراكة ودعم مالي يقدم من مستثمرين في الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق شركات تتبنى مشاريع وأفكاراً واعدة. تم بعد ذلك استغلال هذا الدعم المادي في إدارة الموقع وتطوير خدماته بشكل مميز حتى بلغ عدد المشاهد التي يشاهدها زوار الموقع يوميا 100 مليون مشهد، كما أنه يتم في كل دقيقة تحميل ما مجموعه 24 ساعة من مشاهد الفيديو لهذا الموقع! ويعتبر يوتيوب الآن الموقع الثالث عالميا من حيث أكثر المواقع زيارةً بعد موقعي جوجل وفيس بوك وذلك حسب تصنيف اليكسا.

تبرز خلال سردنا لهذه القصة عوامل مهمة لم يكن لهذا المشروع أن يرى نور النجاح بدونها. قد تكون مهارة جواد ورفاقه في برمجة وتصميم برامج الوسائط المتعددة والإنترنت أحد العوامل إلا أنها بالتأكيد ليست بالعامل المهم، ولا أشك إطلاقاً في وجود من لديهم من المهارات البرمجية والتقنية ما يفوق تلك التي لدى جواد وتشاد وستيف، إلا أن ذلك لم يشفع لهم في صناعة قصة نجاح تستحق الذكر.

يرتكز نجاح مشروع يوتيوب – في نظري – على ثلاثة عوامل. العامل الأول هو الأولوية والمبادرة، فالرابح ليس أول من خطرت له الفكرة وحسب بل هو أول من وجد الفكرة وبادر إلى تنفيذها في الوقت المناسب. العامل الثاني، وهو الأهم، هو الدعم السخي الذي يُقَدَّم لتَبَنِّي الأفكار الواعدة من قبل المستثمرين والشركات. لقد كان من الممكن جدا أن يموت مشروع يوتيوب في أشهره الأولى بسبب عدم وجود ميزانية تكفي لتوفير خوادم لتخزين هذا الكم الهائل من ملفات الفيديو والتي يتم تحميلها في كل دقيقة من شتى أنحاء العالم. يتم في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول عقد مؤتمرات دورية، مثل تيك كرنش (TechCrunch)، يتم خلالها عرض أفكار واعدة من قبل أفراد يبحثون عن شريك ممول، ويتم في كل دورة اختيار عدد من هذه الأفكار للفوز بدعم وتمويل مادي وإطلاق شركات لاستثمار هذه الأفكار. العامل الثالث  هو بالطبع حسن إدارة وتصريف الدعم الذي يتم توفيره وهذا بالتأكيد ليس حصرا على مشاريع تقنية المعلومات بل هو عامل نجاح لأي مشروع.

نعوِّل ويعوِّل المجتمع السعودي الكثير من الآمال على نتائج الجهود المبذولة حديثا والتي تم من خلالها توفير بيئات حاضنة وداعمة للأفكار الواعدة تتمثل في أودية وحاضنات وواحات التقنية التي تم إطلاقها خلال السنوات القليلة الماضية، فهل تظهر أول قصص النجاح السعودية قريباً؟ أرجو أن يحدث ذلك فالأمر ليس مجرد عدة ملايين تدخل في جيب مواطن سعودي، بل هو أبعد من ذلك بكثير. لك عزيزي القارئ أن تتخيل على سبيل المثال عدد الوظائف التي يمكن توفيرها من خلال هذه المشاريع، فالأمر برمَّته اقتصاد وصناعة كباقي الصناعات وليس أمامنا مع أي صناعة إلا أن نختار إما أن نكون مصنعين ومستثمرين أو نكون (كالعادة) مستهلِكين.

http://rs.ksu.edu.sa/7477.html

تحميل الملف
المقالات

التقويم

لتصلك أخبار الأسرة اشترك معنا